فصل: مسألة: يُعْطَى الْغَازِي الْحَمُولَةَ وَالسِّلَاحَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مسألة: وَلَا وَقْتَ فِيمَا يُعْطَى الْفَقِيرُ إِلَّا مَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا وَقْتَ فِيمَا يُعْطَى الْفَقِيرُ إِلَّا مَا يُخْرِجُهُ مِنْ حَدِّ الْفَقْرِ إِلَى الْغِنَى قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ: لِأَنَّهُ يَوْمَ يُعْطَاهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَلَا مَالَ لَهُ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَفَقِيرًا بِكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَلَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنَّمَا الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَا يَعْرِفُ النَّاسُ بِقَدْرِ حَالِ الرِّجَالِ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْفَقْرِ مِنَ الزَّكَاةِ. وَالثَّانِي: فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُعْطَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُعْتَبَرٌ بِأَدْنَى الْغِنَى وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَدْنَى الْغِنَى عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّ أَدْنَى الْغِنَى خَمْسُونَ دِرْهَمًا، فَلَا تَحِلُّ الزَّكَاةُ لِمَنْ تَمَلَّكَهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهَا وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ فِي الصَّحَابَةِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ- رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ-، وَبِهِ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ الزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ: أَنَّ أَدْنَى الْغِنَى نِصَابٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَلَا يُحِلُّ الزَّكَاةَ لِمَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا وَلَا يُعْطَى مِنْهَا نِصَابًا، فَإِذَا مَلَكَ مَالًا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ عَقَارٍ وَرَقِيقٍ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ كَدَارٍ يَسْكُنُهَا، أَوْ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا، أَوْ أَمَةٍ يَسْتَخْدِمُهَا حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابِ وَمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ، فَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ نِصَابٍ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ. وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْغِنَى غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِالْمَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْكِفَايَةِ الدَّائِمَةِ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إِمَّا بِضَاعَةً أَوْ تِجَارَةً أَوْ زِرَاعَةً، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: صُنَّاعٌ وَتُجَّارٌ وَأَصْحَابُ عَقَارٍ وَأَصْحَابُ مَوَاشٍ. فَأَمَّا الصُّنَّاعُ فَكَالْفَلَّاحِينَ وَالْمَلَّاحِينَ وَالنَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ، فَإِنْ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَكْتَسِبُ بِضَاعَتَهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَكْتَسِبُ بِضَاعَتَهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ عَلَى الدَّوَامِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا تَمَامَ كِفَايَتِهِ. وَأَمَّا التُّجَّارُ فَهُمُ الَّذِينَ يَسْتَمِدُّونَ أَرْبَاحَ بَضَائِعِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ بِضَاعَةُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ تُرْبِحُهُ غَالِبًا قَدْرَ كِفَايَتِهِ كَانَ غَنِيًّا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُرْبِحُهُ قَدْرَ كِفَايَتِهِ كَانَ فَقِيرًا وَإِنْ مَلَكَ نِصَابًا وَحَلَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ مَا إِذَا ضَمَّهُ إِلَى بِضَاعَتِهِ رَبِحَ بِهَا قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي مَتَاجِرِهِمْ، فَإِذَا كَانَ الْبَقْلِيُّ يَكْتَفِي بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ والْبَاقِلَّانِيُّ بِعَشَرَةٍ وَالْفَاكِهَانِيُّ بِعِشْرِينَ وَالْخَبَّازُ بِخَمْسِينَ وَالْبَقَّالُ بِمِائَةٍ وَالْعَطَّارُ بِأَلْفٍ وَالْبَزَّازُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَالصَّيْرَفِيُّ بِخَمْسَةِ آلَافٍ وَالْجَوْهَرِيُّ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَمَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا بِضَاعَتَهُ الَّتِي يَكْتَفِي بِرِبْحِهَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنْهَا حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا تَمَامَ بِضَاعَتِهِ الَّتِي يَكْتَفِي بِرِبْحِهَا، حَتَّى أَنَّ الْبَقْلِيَّ إِذَا مَلَكَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ هِيَ كِفَايَتُهُ كَانَ غَنِيًّا، وَالْجَوْهَرِيَّ إِذَا مَلَكَ تِسْعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ هِيَ دُونَ كِفَايَتِهِ كَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي أَصْحَابِ الْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي إِنْ كَانَ يَسْتَغِلُّ مِنْهَا قَدْرَ كِفَايَتِهِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَغِلُّ مِنْهَا قَدْرَ كِفَايَتِهِ حَلَّتْ لَهُ الزَّكَاةُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا مَا يَشْتَرِي بِهِ مِنَ الْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي مَا إِذَا ضَمَّهُ إِلَى مَالِهِ اكْتَفَى بِغَلَّتِهِ عَلَى الدَّوَامِ.

.فصل [فيمن سأل الناس وهو غني]:

فَأَمَّا أَحْمَدُ فَاسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَهُوَ غَنِيٌّ كَانَتْ مَسْأَلَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُمُوشًا، أَوْ خُدُوشًا، أَوْ كُدُوحًا فِي وَجْهِهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا غِنَاهُ؟ قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ عَدْلُهَا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ فَجَعَلَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ غَيْرَ الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ مَالِكٌ لِنِصَابٍ مِنْ مَالٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ على الغني أَصْلًا إِذَا كَانَ لَهُ كِفَايَةٌ عَلَى الدَّوَامِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ الْكِفَايَةِ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَعْتَبِرُوا كِفَايَةَ زَمَانِ الْمُقَدَّرِ، أَوْ كِفَايَةَ الْعُمُرِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَبَرَ كِفَايَةُ الْعُمُرِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَأَمَّا الزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ فَلَسْتُمْ فِي اعْتِبَارِهِ بِسَنَتِهِ بِأَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِهِ بِأَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ فَبَطَلَ اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ، وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ أَنَّهُ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ فَقَالَ: نُؤَدِّهَا عَنْكَ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حُرِّمَتْ إِلَّا فِي ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ حَتَّى تَكَلَّمَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ بِهِ حَاجَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قَوَامًا مِنْ عَيْشٍ ثُمَّ يُمْسِكُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ سُحْتٌ. فَدَلَّ نَصُّ هَذَا الْخَبَرِ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تَحِلُّ بِالْحَاجَةِ وَتَحْرُمُ بِإِصَابَةِ الْقَوَامِ مِنَ الْعَيْشِ وَهُوَ الْكِفَايَةُ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعْتَبَرَ النِّصَابُ، وَلِأَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْكِفَايَةِ الدَّائِمَةِ زَالَ عَنْهُ حُكْمُ الْغِنَى كَالَّذِي لَا يَمْلِكُ نِصَابًا؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّصَابِ وَالْحَاجَةَ مَعْنَيَانِ مُخْتَلِفَانِ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا فَجَازَ اجْتِمَاعُ حُكْمِهِمَا وَهُمَا أَخَذُ الصَّدَقَةِ مِنْهُ بِالنِّصَابِ وَدَفْعُهَا إِلَيْهِ بِالْحَاجَةِ كَالْعُشْرِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مِلْكُ قِيمَةِ النِّصَابِ مِنَ الْمَتَاعِ وَالْعُرُوضِ يَمْنَعُ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَةِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ لَمْ يَكُنْ مِلْكُ النِّصَابِ مَانِعًا مِنْهَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ. وَتَحْرِيرُهُ أَنَّهُ ذُو حَاجَةٍ فَلَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى نِصَابٍ كَمَالِكِ الْمَتَاعِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِ أَحْمَدَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَحْدِيدَ الْغِنَى فِي جَمِيعِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَنْ كَانَتْ كِفَايَتُهُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، بِدَلِيلِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ، يَعْنِي: لِمَنْ كَانَ مُكْتَفِيًا بِهَا. وَرَوَى سَهْلُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَقَدِ اسْتَكْثَرَ مِنَ النَّارِ، قِيلَ: وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ وَهَذَا فِيمَنْ يَكْتَسِبُ بِصَنْعَتِهِ قَدْرَ عَشَائِهِ وَغَدَائِهِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ فَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ فَهُوَ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إِنَّمَا يَأْخُذُهُ مِنْ صَدَقَاتِهِمْ لَيْسَ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ وَلَيْسَ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَرْدُودًا عَلَيْهِ كَالْعَامِلِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَكَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ الْعُشْرُ وَالْعُشْرُ عِنْدَنَا زَكَاةٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ وَاجِدًا لِلْكِفَايَةِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِوُجُودِ الْكِفَايَةِ، لَا يَمْلِكُ النِّصَابَ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُمْ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْعُمُرِ أَوْ بِزَمَانٍ مُقَدَّرٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ، فَكَانَ مَذْهَبُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ إِلَى أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِزَمَانٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ سَنَةٌ وَذَلِكَ أَوْلَى مِنِ اعْتِبَارِهِ بِأَقَلَّ مِنْهُمَا أَوْ أَكْثَرَ: لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ بَعْدَ سَنَةٍ، فَاعْتُبِرَ فِي مُسْتَحِقِّهَا لِكَافِيَةِ السَّنَةِ، وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ كِفَايَةُ الْعُمُرِ وَلَئِنْ كَانَ الْعُمُرُ مَجْهُولًا فَالْكِفَايَةُ فِيهِ لَا تُجْهَلُ: لِأَنَّ كِفَايَةَ الشَّهْرِ مِنْ أَجَلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ صَنْعَةٍ تَدُلُّ عَلَى كِفَايَةِ الْعُمُرِ وَإِنْ جُهِلَ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ يَمْرَضُ فَيَعْجِزُ عَنِ الْكَسْبِ، أَوْ يَغْلُو السِّعْرُ، فَلَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ. قِيلَ: إِذَا كَانَ ذَلِكَ صَارَ حِينَئِذٍ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ النِّصَابَ فَيَصِيرَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ.

.مسألة: وَيَأْخُذُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ أُجُورِهِمْ فِي مِثْلِ كِفَايَتِهِمْ وَقِيَامِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَيَأْخُذُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا بِقَدْرِ أُجُورِهِمْ الزكاة فِي مِثْلِ كِفَايَتِهِمْ وَقِيَامِهِمْ وَأَمَانَتِهِمْ وَالْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ فَيَأْخُذُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَيُعْطِي الْعَرِيفَ وَمَنْ يَجْمَعُ النَّاسَ عَلَيْها بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ وَكُلْفَتِهِ وَذَلِكَ خَفِيفٌ لِأَنَّهُ فِي بِلَادِهِ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ ذَكَرَهُ فَإِنَّمَا أَعَادَهُ لِيُبَيِّنَ قَدْرَ مَا يُعْطَى كُلُّ صِنْفٍ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ، فَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا هُمْ صِنْفٌ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ يُعْطَوْنَ أُجُورَهُمْ مِنْهَا صَدَقَةً. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ أُجْرَةٌ وَلَيْسَ بِصَدَقَةٍ: لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَهُ مَعَ الْغِنَى، وَلَوْ كَانَتْ صَدَقَةً حَرُمَتْ عِنْدَهُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَهَذَا خَطَأٌ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التَّوْبَةِ: 60]، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَالَ عَنِ الصَّدَقَةِ حُكْمُهَا بِاخْتِلَافِ الْمُتَمَلِّكِينَ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ ذَوِي الْقُرْبَى مِنَ الْعَمَلِ عَلَيْهَا لِتَحْرِيمِ الصَّدَقَاتِ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الصَّدَقَةِ إِلَى الْأُجْرَةِ مَا مَنَعَهُمْ مِنْهَا، وَلَيْسَ يُنْكَرُ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ صَدَقَةً إِذَا كَانَتْ مَأْخُوذَةً مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا مُسْتَأْجَرِينَ بِعَقْدِ إِجَارَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْمُسَمَّى فِيهِ مِنَ الْأُجْرَةِ أَكْثَرَ مِنْ أُجُورِ أَمْثَالِهِمْ، كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ أَنْ يُسَمَّى لَهُ أَكْثَرُ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُسْتَأْجَرِينَ بِعَقْدٍ كَانَ لَهُمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ كَمَنِ اسْتَهْلَكَ عَمَلَهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدِهَا وَقِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَتِهِ.
قال الشَّافِعِيُّ: وَأَمَانَاتُهُمْ لَيْسَ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ غَيْرُ أَمِينٍ، وَلَكِنَّهُ إِنْ كَانَ مَعْرُوفَ الْأَمَانَةِ كَانَتْ أُجْرَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِ بِالْأَمَانَةِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا غَيْرُ أَمِينٍ، وَمِنَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا الْعَرِيفُ وَالْحَاشِرُ وَالْحَاسِبُ وَالْكَيَّالُ وَالْعَدَّادُ، من العاملين على الزكاة فَأَمَّا الْعَرِيفُ فَعَرِيفَانِ: عَرِيفٌ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَعَرِيفٌ عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ. فَأَمَّا الْعَرِيفُ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُ أَمْوَالَهُمْ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِيرَانِ أَهْلِ الْمَالِ لِيَصِحَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِجَمِيعِهَا وَبِأَرْبَابِهَا. وَأَمَّا عَرِيفُ أَهْلِ السُّهْمَانِ فَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُ كُلَّ صِنْفٍ مِنْهُمْ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَحْوَالُهُمْ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِيرَانِ أَهْلِ السُّهْمَانِ لِيَصِحَّ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِظَاهِرِ أَحْوَالِهِمْ وَبَاطِنِهَا، وَكِلَا الْفَرِيقَيْنِ أُجْرَتُهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ، وَأُجْرَتُهُمَا أَقَلُّ لِأَنَّهُمَا مِمَّنْ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَطْعِ مَسَافَةٍ لِكَوْنِهِمَا مِنْ بَلَدِ الصَّدَقَةِ لَا مِنَ الْمُسَافِرِينَ إِلَيْهِ.

.بيان أن الْحَاشِرَ صنفان:

وَأَمَّا الْحَاشِرُ من العاملين على الزكاة فَحَاشِرَانِ: حَاشِرٌ لَأَهِلِ السُّهْمَانِ يَقْتَصِرُ عَلَى النِّدَاءِ فِي النَّاحِيَةِ بِاجْتِمَاعِهِمْ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ وَهَذَا أَقَلُّهُمَا أُجْرَةً لِكَوْنِهِ أَقَلَّهُمْ تَحَمُّلًا. وَالثَّانِي: حَاشِرُ الْأَمْوَالِ: لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ أَنْ يَتْبَعَ الْمَوَاشِيَ سَارِحَةً فِي مَرَاعِيهَا؛ فَاحْتَاجَ إِلَى حَاشِرٍ يَحْشُرُهَا إِلَى مِيَاهِ أَهْلِهَا، وَهَذَا أَكْثَرُهُمَا أُجْرَةً لِكَوْنِهِ أَكْثَرَهُمَا عَمَلًا، وَكِلَاهُمَا أُجْرَتُهُمَا فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ.
فَأَمَّا الْحَاسِبُ من العاملين على الزكاة فَهُوَ الَّذِي يَحْسِبُ النُّصُبَ وَقَدْرَ الْوَاجِبِ فِيهَا وَمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ، وَيَجُوزُ أَلَّا يَكُونَ مِنْ جِيرَانِ الْمَالِ وَأُجْرَتُهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ، فَإِنْ كَانَ كَاتِبًا كَانَتْ أُجْرَتُهُ أَكْثَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَاتِبًا وَكَانَ الْعَامِلُ يَكْتُبُ وَإِلَّا احْتَاجَ إِلَى كَاتِبٍ يَكْتُبُ مَا أُخِذَ مِنَ الصَّدَقَاتِ مَنْ كُلِّ مَالِكٍ ثَبَتَ عَلَيْهِ قَدْرُ مَالِهِ وَمَبْلَغُ صَدَقَتِهِ وَمَا أَعْطَى كُلُّ صِنْفٍ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ بِإِثْبَاتِ أَسْهُمِ كُلِّ وَاحِدٍ وَنَسَبِهِ وَحِلْيَتِهِ وَقَدْرِ عَطِيَّتِهِ، وَكَتَبَ بَرَاءَةً لِرَبِّ الْمَالِ بِأَدَاءِ صَدَقَتِهِ وَيُعْطَى أُجْرَتُهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ. وَأَمَّا الْعَدَّادُ من العاملين على الزكاة فَهُوَ الَّذِي يَعُدُّ مَوَاشِيَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَيُعْطَى أُجْرَتُهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ. وَأَمَّا الْكَيَّالُ من العاملين على الزكاة فَكَيَّالُ مَالِ رَبِّ الْمَالِ وَكَيَّالٌ لِحُقُوقِ أَهْلِ السُّهْمَانِ، فَأَمَّا كَيَّالُ الْمَالِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فَفِي أُجْرَتِهِ وَجْهَانِ مَضَيَا. وَأَمَّا الْكَيَّالُ لِحُقُوقِ أَهْلِ السُّهْمَانِ فَفِي أُجْرَتِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: فِي مَالِ أَهْلِ السُّهْمَانِ. وَالثَّانِي: مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ، وَرُبَّمَا احْتَاجَ الْعَامِلُ إِلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الْأَعْوَانِ، فَيَكُونُ أُجُورُ مَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنِ اعْتِبَارِ حَالِهِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ عَمَلِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.مسألة [في القَسم للمؤلفة قلوبهم]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ الْمُؤَلَّفَةُ إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِمْ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُمْ إذا صح اعتقادهم وحسن إسلامهم إِنِ احْتِيجَ إِلَيْهِمْ أَحَدُ أَصْنَافِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ أَقْسَامِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ؛ وَقَدْرُ مَا يُعْطَاهُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ مَا يُتَأَلَّفُ بِهِ قَلْبُهُ فَيُقْلِعُ عَنْ سَيِّئِ الِاعْتِقَادِ، فَإِذَا صَحَّ اعْتِقَادُهُ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ خَرَجَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَا أُعْطِيَ مُنِعَ لِئَلَّا يَكُونَ سَهْمُهُمْ مَصْرُوفًا فِي غَيْرِ نَفْعٍ، وَإِنْ أَثَّرَ تَأْثِيرًا لَمْ يُسْتَكْمَلْ مَعَهُ حُسْنُ الِاعْتِقَادِ أُعْطِيَ مِنْ بَعْدُ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ حُسْنَ إِسْلَامِهِ وَصِحَّةَ اعْتِقَادِهِ.

.مسألة [في أَنَّ الْمُكَاتَبِينَ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِسَهْمِ الرِّقَابِ فِي الصَّدَقَاتِ]:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْمُكَاتَبُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يُعْتَقَ وَإِنْ دَفَعَ إِلَى سَيِّدِهِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ أَنَّ الْمُكَاتَبِينَ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِسَهْمِ الرِّقَابِ فِي الصَّدَقَاتِ، وَقَدْرُ مَا يُعْطَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُعْتَبَرٌ بِمَا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي عَلَيْهِ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُ مِنْ آخِرِ نُجُومِهِ أُعْطِيَ جَمِيعَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْسَطِ نُجُومِهِ أُعْطِيَ مَالَ ذَلِكَ النَّجْمِ الَّذِي قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَجُوزُ عِنْدَ اتِّسَاعِ الْمَالِ أَنْ يُعْطَى مَا عَلَيْهِ مِنْ بَاقِي نُجُومِهِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ عِتْقَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ إِعْطَائِهِ مَالَ النَّجْمِ قَبْلَ حُلُولِهِ: أَحَدُهُمَا: يُعْطَى مَالَ ذَلِكَ النَّجْمِ وَحْدَهُ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ إِعْطَاءُ النَّجْمِ قَبْلَ حُلُولِهِ. وَالثَّانِي: يُعْطَى الْجَمِيعَ وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يُعْطَى مَالَ النَّجْمِ قَبْلَ حُلُولِهِ.

.مسألة: يُعْطَى الْغَازِي الْحَمُولَةَ وَالسِّلَاحَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُعْطَى الْغَازِي الْحَمُولَةَ وَالسِّلَاحَ وَالنَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ، وَإِنِ اتَّسَعَ الْمَالُ زِيدُوا الْخَيْلَ.
قال الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا غُزَاةُ الصَّدَقَاتِ فَلَهُمْ سَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ مِنْهَا وَمَا يُعْطَوْنَهُ مِنْهَا مُعْتَبَرٌ بِمُؤْنَةِ غَزْوِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فِي بَلَدِهِمْ أُعْطُوا النَّفَقَةَ وَالسِّلَاحَ وَالْحَمُولَةَ الَّتِي تَحْمِلُهُمِ وَرِحَالَهُمْ إِمَّا فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى ظَهْرٍ، ثُمَّ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا فُرْسَانًا أَوْ رَجَّالَةً، فَإِنْ كَانُوا فُرْسَانًا أُعْطَوْا نَفَقَاتِ خَيْلِهِمْ ومُؤْنَتِهِمْ فِي ذَهَابِهِمْ وَعَوْدَتِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا رَجَّالَةً لَا خَيْلَ لَهُمْ، فَإِنْ كَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ إِلَّا رَجَّالَةً عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُعْطَوُا الْخَيْلَ، وَإِنْ كَانُوا يُقَاتِلُونَ فُرْسَانًا أُعْطُوا الْخَيْلَ إِذَا عَدِمُوهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ وَلَيْسَ فِيهَا خَيْلٌ وَلَا سِلَاحٌ غُزَاةُ الصَّدَقَاتِ. قُلْنَا: لَا يَخْلُو دَافِعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ رَبَّ الْمَالِ أَوِ الْوَالِيَ، فَإِنْ كَانَ دَافِعُهَا رَبَّ الْمَالِ أَعْطَاهُمْ بِأَثْمَانِ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ لِيَتَوَلَّوْا شِرَاءَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ رَبُّ الْمَالِ لَهُمْ: لِأَنَّ إِخْرَاجَ الْقِيَمِ فِي الزَّكَوَاتِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ الْوَالِي عَلَيْهَا هُوَ الدَّافِعَ لَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: تُدْفَعُ إِلَيْهِمْ أَثْمَانُهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى شِرَاءَهَا رَبُّ الْمَالِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى شِرَاءَ ذَلِكَ لَهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّ الْمَالِ أَنَّ لِلْوَالِي عَلَيْهِمْ وِلَايَةً لَيْسَتْ لِرَبِّ الْمَالِ، فَجَازَ أَنْ يَتَوَلَّى شِرَاءَهُ لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَلَّهُ رَبُّ الْمَالِ.